فصل: حوادث سنة اثنتي عشرة ومائتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  حوادث سنة اثنتي عشرة ومائتين

  ذكر استيلاء محمد بن حميد على الموصل

في هذه السنة وجه المأمون محمد بن حميد الطوسي إلى بابك الخرمي لمحاربته وأمره أن يجعل طريقه على الموصل ليصلح أمرها ويحارب زريق ابن علي فسار محمد إلى الموصل ومعه جيشه وجمع ما فيها من الرجال من اليمن وربيعة وسار لحرب زريق ومعه محمد بن السيد بن أنس الأزدي فبلغ الخبر إلى زريق فسار نحوهم فالتقوا في الزاب فراسله محمد بن حميد يدعوه إلى الطاعة فامتنع فناجزه محمد واقتتلوا واشتد قتال الأزدي مع محمد بن السيد طلبًا بثأر السيد فانهزم زريق وأصحابه ثم أرسل يطلب الأمان فأمنه محمد فنزل إليه فسيره إلى المأمون‏.‏

وكتب المأمون إلى محمد يأمره بأخذ جميع مال زريق من قرى ورستاق ومال وغيره فأخذ ذلك لنفسه فجمع محمد أولاد زريق وأخوته وأخبرهم بما أمر به المأمون فأطاعوا لذلك فقال لهم‏:‏ إن أمير المؤمنين قد أمرني به وقد قبلت ما حباني منه ورددته عليكم فشكروه على ذلك‏.‏

ثم سار إلى أذربيجان واستخلف على الموصل محمد بن السيد وقصد المخالفين المتغلبين على أذربيجان فأخذهم منهم يعلي بن مرة ونظراؤه وسيرهم إلى المأمون وسار نحوبابك الخرمي لمحاربته‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة خلع أحمد بن محمد العمري المعروف بالأحمر العين المأمون باليمن فاستعمل

وفيها أظهر المأمون القول بخلق القرآن وتفضيل علي بن أبي طالب على جميع الصحابة وقال هوأفضل الناس بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك في ربيع الأول‏.‏

وحج بالناس عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد‏.‏

وفيها كانت باليمن زلزلة شديدة فكان أشدها بعدن فتهدمت المنازل وخربت القرى وهلك فيها خلق كثير‏.‏

وفيها سير عبد الرحمن صاحب الأندلس جيشًا إلى بلد المشركين فوصلوا إلى برشلونة ثم ساروا إلى جرندة وقاتل أهلها في ربيع الأول فأقام الجيش شهرين ينهبون ويخربون‏.‏

وفيها كانت سيول عظيمة وأمطار متتابعة بالأندلس فخربت أكثر الأسوار بمدائن ثغر الأندلس وخربت قنطرة سرقسطة ثم جددت عمارتها وأحكمت‏.‏

برشلونة بالباء الموحدة والراء والشين المعجمة واللام والواووالنون والهاء‏.‏

وفيها توفي محمد بن يوسف بن واقد بن عبد اله الضبي المعروف بالفريابي وهومن مشايخ البخاري‏.‏

  حوادث سنة ثلاث عشرة ومائتين

وفيها ولى المأمون ابنه العباس الجزيرة والثغور والعواصم وولى أخاه أبا إسحاق المعتصم الشام ومصر وأمر لكل واحد منهما ولعبد الله بن طاهر بخمسمائة ألف درهم فقيل‏:‏ لم يفرق في يوم من المال مثل ذلك‏.‏

وفي هذه السنة خلع عبد السلام وابن جليس المأمون بمصر في القيسية واليمانية وظهرا بها ثم وثبا بعامل المعتصم وهوابن عميرة بن الوليد الباذغيسي فقتلاه في ربيع الأول سنة أربع عشرة ومائتين فسار المعتصم إلى مصر وقاتلهما فقتلهما وافتتح مصر فاستقامت أمورها واستعمل عليها عماله‏.‏

وفيها مات طلحة بن طاهر بخراسان‏.‏

وفيها استعمل المأمون غسان بن عباد على السند وسبب ذلك أن بشر بن داود خالف المأمون وجبى الخراج فلم يحمل منه شيئًا فعزم على تولية غسان فقال لأصحابه‏:‏ أخبروني عن غسان فإني أريده لأمر عظيم فأطنبوا في مدحه فنظر المأمون إلى أحمد بن يوسف وهوساكت فقال‏:‏ ما تقول يا أحمد فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ ذلك رجل محاسنه أكثر من مساوئه لا يصرف به إلى طبقة إلا انتصف منهم فمهما تخوفت عليه فإنه لن يأتي أمرًا يعتذر منه فأطني فيه فقال‏:‏ لقد مدحته على سوء رأيك فيه قال‏:‏ لأني كما قال الشاعر‏:‏

قال‏:‏ فأعجب المأمون من كلامه وأدبه‏.‏

وحج بالناس هذه السنة عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد بن علي‏.‏

وفيها قتل أهل ماردة من الأندلس عاملهم فثارت الفتنة عندهم فسير إليهم عبد الرحمن جيشا فحصرهم وفسد زرعهم وأشجارهم فعاودوا الطاعة وأخذت رهائنهم وعاد الجيش بعد أن خربوا سور المدينة‏.‏

ثم أرسل عبد الرحمن إليهم بنقل حجارة السور إلى النهر لئلا يطمع أهلها في عمارته فلما رأوا ذلك عادوا إلى العصيان وأسروا العامل عليهم وجددوا بناء السور وأتقنوه‏.‏

فلما دخلت سنة أربع عشرة سار عبد الرحمن صاحب الأندلس في جيوشه إلى ماردة ومعه رهائن أهلها فلما بارزها راسله أهلها وافتكوا رهائنهم باعامل الذي أسروه وغيره وحصرهم وأفسد بلدهم ورحل عنهم‏.‏

ثم سير إليهم جيشًا سنة سبع عشرة ومائتين فحصروها وضيقوا عليها ودام الحصار ثم رحلوا عنهم‏.‏

فلما دخلت سنة ثماني عشرة سير إليها جيشا ففتحها وفارقها أهل الشر والفساد وكان من أهلها إنسان اسمه محمود بن عبد الجبار الماردي فحصره عبد الرحمن بن الحكم في جمع كثير من الجند وصدقوه القتال فهزموه وقتلوا كثيرًا من رجاله وتبعتهم الخيل في الجبل فأفنوهم قتلًا وأسرًا وتشريدًا‏.‏

ومضى محمود بن عبد الجبار الماردي فيمن سلم معه من أصحابه إلى منت سالوط فسير إليه عبد الرحمن جيشًا سنة عشرين ومائتين فمضوا هاربين عنه إلى حلقب في ربيع الآخر منها فأرسل سرية في طلبهم فقاتلهم محمود فهزمهم وغمن ما معهم ومضوا لوجهتهم فلقيهم جمع من أصحاب عبد ارحمن مصادفة فقاتلوهم ثم كف بعضهم عن بعض وساروا فلقيهم سرية أخرى فقاتلوهم فانهزمت السرية وغمن محمود ما فيها‏.‏

وسار حتى أتى مدينة مينة فهجم عليها وملكها وأخذ ما فيها من دواب وطعام وفارقوها فوصلوا إلى بلاد المشركين فاستولوا على قلعة لهم فأقاموا بها خمسة أعوام ثلاثة أشهر فحصرهم أذفونس ملك الفرنج فملك الحصن وقتل محمودًا ومن معه وذلك سنة خمس وعشرين ومائتين في رجب وانصرف من فيها‏.‏

وفيها توفي إبراهيم الموصلي المغني وهوإبراهيم بن ماهان والد إسحاق بن إبراهيم وكان كوفيا وسار إلى الموصل فلما عاد قيل له الموصلي فلزمه وعلي بن جبلة بن مسلم أبوالحسن الشاعر وكان مولده سنة ستين ومائة وكان قد أضر ومحمد بن عرعرة بن البوند وأبوعبد

الرحمن المقرئ المحدث وعبد الله بن موسى العبسي الفقيه وكان شيعيا وهومن مشايخ البخاري في صحيحه‏.‏

البوند بكسر الباء الموحدة والواووتسكين النون وآخره دال مهملة

  حوادث سنة أربع عشرة ومائتين

  ذكر قتل محمد الطوسي

فيها قتل محمد بن حميد الطوسي قتله بابك الخرمي وسبب ذلك أنه لما فرغ من أمر المتغلبين على طريقه إلى بابك سار نحوه وقد جمع العساكر والآلات والميرة فاجتمع معه عالم كثير من المتطوعة من سائر الأمصار فسلك المضايق إلى بابك وكان كلما جاوز مضيقًا أوعقبة ترك عليه من يحفظه من أصحابه إلى أن نزل بهشتادسر وحفر خندقا وشاور في دخول بلد بابك فأشاروا عليه بدخوله من وجه ذكروه له فقبل رأيهم وعبى أصحابه وجعل على القلب محمد بن يوسف بن عبد الرحمن الطائي المعروف بأبي سعيد وعلى الميمنة السعدي بن أسرم وعلى الميسرة العباس بن عبد الجبار اليقطيني ووقف محمد ن حميد خلفهم في جماعة ينظر إليهم ويأمرهم بسد خل إن رآه فكان بابك يشرف عليهم من الجبل وقد كمن لهم الرجال تحت كل

فلما تقدم أصحاب محمد وصعدوا في الجبل مقدار ثلاثة فراسخ خرج عليهم الكمناء وانحدر بابك إليهم فيمن معه وانهزم الناس فأمرهم أبوسعيد ومحمد بن حميد بالصبر فلم يفعلوا ومروا على وجوههم والقتل يأخذهم وصبر محمد بن حميد مكانه وفر من كان معه غير رجل واحد وسارا يطلبان الخلاص فرأى جماعة وقتالا فقصدهم فرأى الخرمية يقاتلون طائفة من أصحابه فحين رآه الخرمية قصدوه لما رأوا من حسن هيئته فقاتلهم وقاتلوه وضربوا فرسه بزراق فسقط إلى الأرض وأكبوا على محمد بن حميد فقتلوه‏.‏

وكان محمد ممدحًا جوادا فرثاه الشعراء وأكثروا منهم الطائي فلما وصل خبر قتله إلى المأمون عظم ذلك عنده واستعمل عبد الله بن طاهر على قتال بابك فسار نحوه‏.‏

  ذكر حال أبي دلف مع المأمون

كان أبودلف من أصحاب محمد الأمين وسار علي مع بن عيسى ابن ماهان إلى حرب طاهر بن الحسين فلما قتل علي عاد أبودلف إلى همذان فراسله طاهر بستميله ويدعوه إلى بيعة المأمون فلم يفعل وقال‏:‏ إن في عنقي بيعة لا أجد إلى فسخها سبيلا ولكني سأقيم مكاني لا أكون مع أحد الفريقين إن كففت عني فأجابه إلى ذلك فأقام بكرج‏.‏

فلما خرج المأمون إلى الري راسل أبا دلف يدعوه إليه فسار نحوه مجدًا‏.‏

وهوخائف شديد الوجل فقال له أهله وقومه وأصحابه‏:‏ أنت سيد العرب وكلها تطيعك فإن كنت خائفًا فأقم ونحن مننعك فلم يفعل وسار وهويقول‏:‏ أجود بنفسي دون قومي دافعًا لما نابهم قدمًا وأغشى الدواهيا وأقتحم الأمر المخوف اقتحامه لأدرك مجدًا أوأعاود ثاويا وهي أبيات حسنة فلما وصل إلى المأمون أكرمه وأحسن إليه وأمنه وأعلى منزلته‏.‏

  ذكر استعمال عبد الله بن طاهر على خراسان

في هذه السنة استعمل المأمون عبد الله بن طاهر على خراسان فسار إليها‏.‏

وكان سبب مسيره إليها أن أخاه طلحة لما مات ولي خراسان علي بن طاهر خليفة لأخيه عبد الله وكان عبد الله بالدينور يجهز العساكر إلى بابك وأوقع الخوارج بخراسان بأهل قرية الحمراء من نيسابور فأكثروا فيهم القتل واتصل ذلك المأمون فأمر عبد الله بن طاهر بالمسير إلى خراسان فسار إليها فلما قدم نيسابور كان أهلها قد قحطوا فمطروا قبل وصوله إليها بيوم واحد فلما دخلها قام إليه رجل بزبز فقال‏:‏ غيثان في ساعة لنا قدما فمرحبًا بالأمير والمطر فأحضره عبد اله وقال له‏:‏ أشاعر أنت قال‏:‏ لا‏!‏ ولكني سمعتها بالرقة فحفظتها فأحسن إليه وجعل إليه أن لا يشتري له شيء من الثياب إلا بأمره‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة خرج بلال الغساني الشاري فوجه إليه المأمون ابنه العباس في جماعة من القواد فقتل بلال‏.‏

وفيها قتل أبوالرازي باليمن‏.‏

وفيها تحرك جعفر بن داود القمي فظفر به عزيز مولى عبد الله بن طاهر وكان هرب من مصر فرد إليها‏.‏

وفيها ولى علي بن هشام الجبل وقم وأصبهان وأذربيجان‏.‏

وفيها توفي إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب عليه السلام بالمغرب وقام بعده ابنه محمد بأمر مدينة فاس فولى أخاه القاسم البصرة وطنجة وما يليهما‏.‏

واستعمل باقي إخوته على مدن البربرة‏.‏

وفيها سار عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس إلى مدينة باجة وكانت عاصية عليه من حين فتنة منصور إلى الآن فملكها عنوة‏.‏

وفيها خالف هاشم الضراب بمدينة طليطلة من الأندلس على صاحبها عبد الرحمن وكان هاشم من خرج من طليطلة لما أوقع الحكم بأهلها فسار إلى قرطبة فلما كان الآن سار إلى طليطلة فاجتمع إليه أهل الشر وغيرهم فسار بهم إلى وادي نحوييه وأغار على البربر وغيرهم فطار اسمه واشتدت شوكته واجتمع له جمع عظيم وأوقع بأهل شنت برية‏.‏

وكان بينه وبين البربر وقعات كثيرة فسير إليه عبد الرحمن هذه السنة جيشا فقاتلوه فلم تستظهر إحدى الطائفتين على الأخرى وبقي هشام كذلك وغلب على عدة مواضع وجاوز بركة العجوز وأخذت غارة خيله فسير إليه عبد ارحمن جيشًا كثيفًا سنة ست عشرة ومائتين فلقيهم هاشم بالقرب من حصن سمسطا بمجاورة رورية فاشتدت الحرب بينهم ودامت عدة أيام ثم انهزم هاشم وقتل هووكثير ممن معه من أهل الطمع والشر وطالبي الفتن وكفى الله الناس شرهم‏.‏

وحج بالناس إسحاق بن العباس بن محمد‏.‏

وفيها توفي أبوهاشم النبيل واسمه الضحاك بن محمد الشيباني وهوإمام في الحديث‏.‏

  حوادث سنة خمس عشرة ومائتين

  ذكر غزوة المأمون إلى الروم

في هذه السنة سار المأمون إلى الوم في المحرم فلما سار استخلف على بغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب وولاه مع ذلك السواد وحلوان وكور دجلة فلما صار المأمون بتكريت قدم عليه محمد بن علي بن موسى ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام فلقيه بها فأجاره وأمره بالدخول بابنته أم الفضل وكان زوجها منه فأدخلت عليه فلما كان أيام الحج سار بأهله إلى المدينة فأقام بها‏.‏

وسار المأمون على طريق الموصل حتى صار إلى منبج ثم إلى دابق ثم إلى أنطاكية ثم إلى المصيصة وطرسوس ودخل منها إلى بلاد الروم في جمادى الأولى ودخل ابنه العباس من ملطية فأقام المأمون على حصن قرة حتى افتتحه عنوة وهدمه لأربع بقين من جمادى الأولى وقيل إن أهله طلبوا الأمان فأمنهم المأمون وفتح قبله حصن ماجدة بالأمان ووجه أشناس إلى حصن سندس فأتاه برئيسه ووجه عجيفا وجعفرًا الخياط إلى صاحب حصن سناذ فسمع وأطاع‏.‏

وفيها عاد المعتصم من مصر فلقي المأمون قبل دخوله الموصل ولقيه منويل وعباس بن المأمون

وفيها توجه المأمون بعد خروجه من بلاد الروم إلى دمشق وحج بالناس عبد الله بن عبيد الله بن العباس بن محمد‏.‏

وفيها توفي قبيصة بن عقبة السوائي وأبويعقوب إسحاق بن الطباخ الفقيه وعلي بن الحسن بن شقيق صاحب ابن المبارك وثابت بن محمد الكندي العابد المحدث وهوذة بن خليفة بن عبد اله بن عبيد الله بن أبي بكرة أبو الأشهب وأبو جعفر محمد بن الحارث الموصلي وأبو سليمان الداراني الزاهد توفي بداريا ومكي بن إبراهيم التيمي البلخي ببلخ وهومن مشايخ البخاري في صحيحه وقد قارب مائة سنة وأبوزيد سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري اللغوي النحوي وكان عمره ثلاثًا وتسعين سنة‏.‏

وفيها توفي عبد الملك بن قريب بن عبد الملك أبوسعيد الأصمعي اللغوي البصري وقيل سنة ست عشرة ومحمد بن عبد اله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري قاضي البصرة

  حوادث سنة ست عشرة ومائتين

  ذكر فتح هرقلة

في هذه السنة عاد المأمون إلى بلاد الروم وسبب ذلك أنه بلغه أن ملك الروم قتل ألفًا وستمائة من أهل طرسوس والمصيصة فسار حتى دخل أرض الروم في جمادى الأولى فأقام إلى منتصف شعبان‏.‏

وقيل كان سبب دخوله إليها أن ملك الروم كتب إليه وبدا بنفسه فسار إليه ولم يقرأ كتابه فلما دخل أرض الروم أناخ على أنطيغوا فخرجوا على صلح ثم سار إلى هرقلة فخرج أهلها على صلح ووجه أخاه إبا إسحاق المعتصم فافتتح ثلاثين حصنا ومطمورة ووجه يحيى بن أكثم من طوانة فأغار وقتل وأحرق فأصاب سبيا ورجع ثم سار المأمون إلى كيسوم فأقام بها يومين ثم ارتحل إلى دمشق‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها ظهر عبدوس الفهري بمصر فوثب على عمال المعتصم فقتل بعضهم في شعبان فسار المأمون من دمشق إلى مصر منتصف ذي الحجة‏.‏

وفيها قدم الأفشين من برقة فأقام بمصر‏.‏

وفيها كتب المأمون إلى أسحاق بن إبراهيم يأمره بأخذ الجند بالتكبير إذا صلوا فبدأ بذلك

وفيها غضب المأمون على علي بن هاشم ووجه عجيفًا وأحمد بن هاشم وأمر بقبض أمواله وسلاحه‏.‏

وفيها ماتت أم جعفر زبيدة أم الأمين ببغداد‏.‏

وفيها تقدم غسان بن عباد من السند ومعه بشر بن داود مستأمنا وأصلح السند واستعمل عليها عمران بن موسى العتكي‏.‏

وفيها هرب جعفر بن داود القمي إلى قم وخلع الطاعة بها وحج بالناس في قول بعضهم سليمان بن عبد الله بن سليمان بن علي بن عبد الله ابن عباس وقيل حج بهم عبد الله بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهم وكان المأمون ولاه اليمن وجعل إليه ولاية كل بلد يدخله فسار من دمشق فقدم بغداد فصلى بالناس يوم الفطر وسار عنها فحج بالناس‏.‏

وفيها توفي أبومسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني بغداد ومحمد ابن عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب المهلبي أمير البصرة هأن ويحيى ابن يعلي المحاربي وإسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي‏.‏في هذه السنة ظفر الأفشين بالفرما من أرض مصر ونزل أهلها بأمان على حكم المأمون ووصل المأمون إلى مصر في المحرم من هذه السنة فأتي بعبدوس الفهري فضرب عنقه وعاد إلى الشام‏.‏

وفيها قتل المأمون علي بن هشام وكان سبب ذلك أن المأمون كان استعمله على أذربيجان وغيرها كما تقدم ذكره فبلغه ظلمه وأخذه الأموال وقتله الرجال فوجه إليه عجيف بن عنبسة فثار به علي بن هشام وأراد قتله وإلحاق ببابك وظفر به عجيف وقدم به على المأمون فقتله وقتل أخاه حبيبًا في جمادى الأولى وطيف برأس علي في العراق وخراسان والشام ومصر ثم ألقي في البحر‏.‏

وفيها عاد المأمون إلى بلاد الروم فأناخ على لؤلؤة مائة يوم ثم رحل عنها وترك عليها عجيفا فخدعه أهلها وأسروه فبقي عندهم ثمانية أيام وأخرجوه وجاء توفيل ملك الروم فأحاط بعجيف فيه فبعث إليه الجنود فارتحل توفيل قبل موافاتهم وخرج أهل لؤلؤة إلى عجيف بأمان وأرسل ملك الروم يطلب المهادنة فلم يتم ذلك‏.‏

وفيها سار المأمون إلى سلغوس‏.‏

وفيها بعث علي بن عيسى القمي إلى جعفر بن داود القمي فقتل وحج بالناس سليمان بن وفيها توفي الحجاج بن المنهال بالبصرة وسريج بن النعمان‏.‏

سريج بالسين المهملة والجيم‏.‏

وسعدان بن بشر الموصلي يروي عن الثوري‏.‏

وفيها توفي الخليل بن أبي رافع الموصلي وكان عالمًا عابدا وأبوه جعفر بن محمد بن أبي يزيد الموصلي وكان فاضلًا‏.‏

  حوادث سنة ثماني عشرة ومائتين

  ذكر المحنة بالقرآن المجيد

وفي هذه السنة كتب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم في امتحان القضاة والشهود والمحدثين بالقرآن فمن أقر أنه مخلوق محدث خلي سبيله ومن أبى أعلمه به ليأمره فيه برأيه وطول كتابه بإقامة الدليل على خلق القرآن وترك الاستعانة بمن امتنع عن القول بذلك وكان الكتاب في ربيع الأول وأمره بإنفاذ سبعة نفر منهم‏:‏ محمد بن سعد كاتب الواقدي وأبومسلم مستملي يزيد بن هارون ويحيى بن معين وأبوخيثمة زهير بن حرب وإسماعيل بن داود وإسماعيل بن أبي مسعود وأحمد بن الدورقي فأشخصوا إليه فسألهم وامتنحهم عن القرآن فأجابوا جميعًا‏:‏ إن القرآن مخلوق فأعادهم إلى بغداد فأحضرهم إسحاق بن إبراهيم داره وشهر قولهم بحضرة

وورد كتاب المأمون بعد ذلك إلى إسحاق بن إبراهيم بامتحان القضاة والفقهاء فأحضر إسحاق بن إبراهيم أبا حسان الزيادي وبشر بن الوليد الكندي وعلي بن أبي مقاتل والفضل بن غامن والذيال بن الهيثم وسجادة والقواريري وأحمد بن حنبل وقتيبة وسعدويه الواسطي وعلي ابن جعد وإسحاق بن أبي إسرائيل وابن الهرش وابن علية الأكبر ويحيى بن عبد الرحمن العمري وشيخًا آخر من ولد عمر بن الخطاب كان قاضي الرقة وأبا نصر التمار وأبا معمر القطيعي وحمد بن حاتم ابن ميمون ومحمد بن نوح المضروب وابن الفرخان وجماعة منهم‏:‏ النضر بن شميل وابن علي بن عاصم وأبوالعوام البزار وابن شجاع وعبد الرحمن بن إسحاق فأدخلوا جميعًا على إسحاق فقرأ عليهم كتاب المأمون مرتين حتى فهموه ثم قال لبشر بن الوليد‏:‏ مات تقول في القرآن فقال‏:‏ قد عرفت مقاتلي أمير المؤمنين غير مرة قال‏:‏ فقد تجدد من كتاب المؤمنين ما ترى فقال‏:‏ أقول القرآن كلام الله‏.‏

قال‏:‏ لم أسألك عن هذا أمخلوق هو قال‏:‏ الله خالق كل شيء قال‏:‏ فالقرآن شيء قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فمخلوق هو قال‏:‏ ليس بخالق‏.‏

قال‏:‏ ليس أسألك عن هذا أمخلوق هو قال‏:‏ ما أحسن غير ما قلت لك وقد استعهدت أمير المؤمنين ألا أتكلم فيه وليس عندي غير ما قلت لك‏.‏

فأخذ إسحاق رقعة فقرأها عليه ووقفه عليها فقال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله أحدًا فردًا لم يكن قبله شيء ولا بعده شيء ولا يشهه شيء من خلقه في معنى من المعاني ووجه من الوجوه‏.‏

قال‏:‏ نعم وقال للكاتب‏:‏ أكتب ما قال‏.‏

ثم قال لعلي بن أبي مقاتل‏:‏ ما تقول قال‏:‏ سمعت كلامي لأمير المؤمنين في هذا غير مرة وما عندي غيره فامتحنه بالرقعة فأقر بما فيها ثم قال له‏:‏ القرآن مخلوق قال‏:‏ القرآن كلام الله‏.‏

قال‏:‏ لم أسألك عن هذا قال‏:‏ القرآن كلام الله فإن أمرنا أمير المؤمنين بشيء سمعنا وأطعنا‏.‏

فقال للكاتب‏:‏ أكتب مقالته‏.‏

ثم قال للديال نحوًا من مقالته لعلي بن أبي مقاتل فقال مثل ذلك‏.‏

ثم قال لأبي حسان الزيادي‏:‏ ما عندك قال‏:‏ سل عما شئت فقرأ عليه الرقعة فأقر بما فيها ثم قال‏:‏ ومن لم يقل هذا الول فهوكافر فقال‏:‏ القرآن مخلوق هو قال‏:‏ القرآن كلام الله والله خالق كل شيء وأمير المؤمنين أمامنا وبه سمعنا عامة العلم وقد سمع ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم وقد قلده الله أمرنا فصار يقيم حجنا وصلاتنا ونؤدي إليه زكاة أموالنا ونجاهد معه ونرى إمامته فإن أمرنا ائتمرنا وإن نهانا انتهينا‏.‏

قال‏:‏ فالقرآن مخلوق فأعاد مقالته‏.‏

قال إسحاق‏:‏ فإن هذه مقالة أمير المؤمنين‏.‏

قال‏:‏ قد تكون مقالته ولا يأمر بها للناس وإن خبرتني أن أمير المؤمنين أمرك أن أقول قلت ما أمرتني به‏.‏ فإنك الثقة فيما أبلغتني عنه‏.‏

قال‏:‏ ما أمرني أن أبلغك شيئًا‏.‏

قال أبو حسان‏:‏ وما عندي إلا السمع والطاعة فامرني أأتمر قال‏:‏ ما أمرني أن آمركم وإمنا أمرني أن أمتحنكم‏.‏

ثم قال لأحمد بن حنبل‏:‏ ما تقول في القرآن قال‏:‏ كلام الله‏.‏

قال‏:‏ أمخلوق هو قال‏:‏ كلام الله ما أزيد عليها فامتحنه بما في الرقعة لما أتى إلى ليس كمثله شيء قرأ‏:‏ ‏{‏وهو السميع البصير‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 11‏]‏‏.‏ وأمسك عن‏:‏ ولا يشبهه شيء من خلقه في معنى من المعاني ولا وجه من الوجوه فاعترض عليه ابن البكاء الأصغر فقال‏:‏ أصلحك الله‏!‏ إنه يقول‏:‏ سميع من أذن وبصير من عين فقال إسحاق لأحمد‏:‏ ما معنى قولك‏:‏ سميع بصير قال‏:‏ هوكما وصف نفسه‏.‏

قال‏:‏ فما معناه قال‏:‏ لا أدري أهوكما وصف نفسه‏.‏

ثم دعا بهم رجلًا رجلًا كلهم يقول القرآن كلام الله إلا قتيبة وعبيد الله بن محمد بن الحسن وابن علية الأكبر وابن البكاء وعبد المنعم بن إدريس ابن بنت ووهب بن منبه والمظفر بن مرجي ورجلًا من ولد عمر بن الخطاب قاضي الرقة وابن الأحمر فأما ابن البكاء الأكبر فإنه قال‏:‏ القرآن مجعول لقول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏إنا جعلناه قرآنًا عربيًا‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 3‏]‏‏.‏ والقرآن محدث لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 2‏]‏ ‏.‏

قال إسحاق‏:‏ فالمجعول مخلوق قال‏:‏ نعم‏.‏

قال‏:‏ والقرآن مخلوق قال‏:‏ لا أقول مخلوق ولكنه مجعول فكتب مقالته ومقالات القوم رجلًا رجلا ووجهت إلى المأمون فأجاب المأمون يذمهم ويذكر كلًا منهم ويعيبه ويقع فيه بشيء وأمره أن يحضر بشر بن الوليد وإبراهيم بن المهدي ويمتحنهما فإن أجابا وإلا فاضرب أعناقهما وأما من سواهما فإن أجاب إلى القول بخلق القرآن وإلا حملهم موثقين بالحديد إلى عسكره مع نفر يحفظونهم‏.‏

فأحضرهم إسحاق وأعلمهم بما أمر به المأمون فأجاب القوم أجمعون إلا أربعة نفر وهم أحمد بن حنبل وسجادة والقواريري ومحمد ابن نوح المضروب فأمر بهم إسحاق فشدوا في الحديد فلما كان الغد دعاهم في الحديد فأعاد عليهم المحنة فأجابه سجادة والقواريري فأطلقهما وأصر أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح على قولهما فشدا في الحديد ووجها إلى طرسوس وكتب إلى المأمون بتأويل القوم فيما أجابوا إليه فأجابه المأمون‏:‏ إنني بلغني عن بشر بن الوليد بتأويل الآية التي أنزلها الله تعالى في عمار بن ياسر‏:‏ ‏{‏إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 106‏]‏‏.‏ وقد أخطأ التأويل إنما عنى الله سبحانه وتعالى هذه الآية من كان معتقدًا للإيمان مطهرًا للشرك فأما من كان معتقدًا للشرك مظهرًا للإيمان فليس هذا له‏.‏

فأشخصهم جميعًا إلى طرسوس ليقيموا بها إلى أن يخرج أمير المؤمنين من بلاد الروم فأحضرهم إسحاق وسيرهم جميعًا إلى العسكر وهم‏:‏ أبوحسان الزيادي وبشر بن الوليد والفضل بن غامن وعلي بن مقاتل والذيال بن الهيثم ويحيى بن عبد الرحمن العمري وعلي بن الجعد وأبوالعوام وسجادة والقواريري وابن الحسن بن علي بن عاصم وإسحاق بن أبي إسرائيل والنصر بن شميل وأبونصر التمار وسعدويه الواسطي ومحمد بن حاتم بن ميمون وأبومعمر بن الهرش وابن الفرخان وأحمد بن شجاع وأبوهارون بن البكاء فلما صاروا إلى الرقة بلغهم موت المأمون فرجعوا إلى بغداد‏.‏